Wednesday, April 13, 2011

إلى دعاة التعريب المطلق..متى ستصبحون مغاربة؟

إلى دعاة التعريب المطلق..متى ستصبحون مغاربة؟



أحمد عصيد



Wednesday, April 13, 2011

تضمنت المذكرة التي أعدتها قيادة حزب الإستقلال فقرتين متناقضتين بشكل مدهش، فبينما دعت الفقرة الأولى إلى التنصيص على الأمازيغية هوية " ولغة لجميع المغاربة شأنها شأن اللغة العربية كلغة وطنية للجميع، يفرض توفير جميع الضمانات القانونية والحماية اللازمة لها في الوثيقة الدستورية وتأهيلها وتمنيعها وتطويرها بما يكفل هذا الطابع التعددي في أفق فرض مكانتها الجديرة بها في وطننا بتضامن وتكامل وتناسق مع اللغة العربية لمواجهة المد اللغوي الأجنبي في حياتنا الإدارية والعامة"، وهو تقدم جبار بالنسبة لحزب ظلّ ديدنه الممانعة والعناد في موضوع التعددية اللغوية والثقافية للبلاد، حتى تجاوزه الكل وتركه الركب وراءً يزحف زحف الحلزون. بينما تنصّ الفقرة السالفة الذكر على ما ذكرنا، نجد الفقرة الموالية تدعو إلى ما ينقض ذلك نقضا، حيث تقول:" وجوب التنصيص دستوريا على أن اللغة الرسمية للبلاد هي وحدها المعتمدة في الإدارة المغربية والمؤسسات والمرافق والمصالح والشركات، والحياة العامة، وكل المعاملات مع المواطنين". والأسئلة التي نطرحها على قيادة هذا الحزب الحربائي هي التالية: كيف يمكن التنصيص على أن الأمازيغية "لغة لجميع المغاربة شأنها شأن العربية" ثمّ العودة إلى مصادرتها ومنع التعامل بها مع هؤلاء المواطنين، ومنح هذا الحقّ للعربية وحدها، ما هو الهدف، هل هو التواصل مع المواطنين بغاية التنمية أم هو تكريس عروبة الفضاء والمؤسسات والدولة وخدمة لغة بعينها ؟ إذا كانت "العروبة" واقعا بديهيا بالنسبة لهذا الحزب فلماذا كل هذا العراك المخجل والمراوغات المضحكة من أجل "التعريب" ومحاصرة لغات الشعب لصالح لغة السلطة والنخب ؟ هل يمكن للغة ما في زمننا هذا أن تفرض نفسها بمجرد تسلط الدولة وقوتها القهرية، وكم سيدوم ذلك وسط مقاومة المجتمع الذي لا يمكنه التخلي عن أي عنصر من عناصر كيانه وهويته اليومية ؟ ولماذا الإصرار على تمييز الأمازيغية بالنعت السخي "اللغة الوطنية لجميع المغاربة" إذا كان هذا النعت لن يفيدها في أن تستعمل في واجهات المؤسسات والمحلات والشركات وداخل المحاكم والإدارات، كيف نعجز عن المساواة بين لغتين فقط وتدبير تعايشهما، في الوقت الذي توجد فيه بلدان تمكنت من تسوية وضعية 37 أو 23 أو 11 لغة رسمية في دساتيرها دفعة واحدة ؟ هل نحن حالة فريدة في الكون أم أننا جزء من هذا العالم ؟

يلجأ الحزب إلى لعبة متقادمة من أجل الهروب من المشكل دون حلّه، فالأمازيغية ليست بعد مهيأة لأن تؤدي وظائف اللغة الرسمية، والسؤال المطروح هو التالي : ما هي الدراسات التي يتوفر عليها الحزب بهذا الصدد ؟ إنها سقطة أخرى تدلّ على مدى جهل الحزب بمحيطه وبما يجري في بلده، فعلاوة على أنّ هذا الزعم لا علاقة له بحقيقة الوضعية الحالية للأمازيغية التي تتوفر على كل شروط الإعتراف الدستوري، فإن البلدان الديمقراطية التي تعترف بأكثر من لغة رسمية، والتي تتواجد بها لغات في وضعية اللغات القبلية والمحلية، قد فعلت ذلك من أجل توفير الضمانات القانونية للتأهيل الذي يتحدث عنه الحزب. فالذي يوفر الحماية القانونية هو وضعية اللغة الرسمية وليس أقل من ذلك.

لم يكتف الحزب بتحنيط الأمازيغية في خانة "اللغة الوطنية" بل دعا إلى التنصيص في الدستور على أنّ "المغرب جزء من الأمة العربية والإسلامية"، وغاب عنه بأن معضلة المغرب ليست في أن يكون جزءا من شيء آخر ، بل في أن يكون هو ذاته قبل كل شيء.

ما هو المشكل الحقيقي لهذا الحزب في بلادنا ؟ أليست مشكلته كامنة في شعوره بنوع من شقاء الإنتماء إلى المغرب ذي الخصوصيات التي لا تنكر، حيث لم يستطع بعد أن يهضم تواجده في بلد لغة أغلبية سكانه غير مفهومة لديه، وهوية الجغرافيا والأرض شيء آخر غير ما بنى عليه عقيدته السياسية منذ سبعين سنة ؟ هذا الشعور عكسه بدون لفّ ولا دوران ولا لغة خشب ممثل الحزب امحمد الخليفة الذي أعلن في ندوة صحفية كاشفا عما تضمره النفوس وتخفيه السرائر قائلا:"إننا في المغرب في حاجة إلى تطبيق اللغة العربية أولا في جميع الإدارات والمؤسسات، ولسنا في حاجة إلى شيء آخر، ثم إن الأمازيغية لا هي بلغة وطنية ولا لغة رسمية"، ولسنا ندري إن كان الرجل قد قرأ نصّ المذكرة التي يقدمها للصحافة أم لا ، لكن من حقنا أن نطرح السؤال حول هذه المعميات، التي لا تعني إلا أن الحزب يحاول أن يلعب دورا لا يتقنه ولا يتمشى مع حقيقة إيديولوجياه التي ليس بينها وبين الوطنية الحق إلا الخير والإحسان.

من جانب آخر قدمت الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية، التابعة للحزب نفسه، والتي نشأت من داخل النقاشات التي عرفتها مؤسسة علال الفاسي، قدمت مذكرتها حول الدستور داعية إلى "تفعيل وضعية اللغة الرسمية"، وتضمنت مذكرتها المناداة " بضرورة الاهتمام بلغة العرب باعتبارها لغة هوية وقومية" (كذا!) لكن ممثلها بدوره في ندوة صحفية لم يستطع إخفاء مكنون نفسه عندما أعلن بأن الجمعية تطالب :" بعدم تجاوز سقف وطنية اللغات الأخرى في أقصى الحالات". وكأن "اللغات الأخرى" لاجئة لدى القوميين العرب أو تستجدي عطفهم .

يحتاج الأمر مع هؤلاء إلى تحليل نفسي لذهنية تبدو في حالة غير سوية، فلكي يطالبوا بحقهم لا يجدون بدّا من المسّ بحق غيرهم، فالعربية كما يتخيلونها لا مكان لها في المغرب إلا على حساب غيرها، إنها لغة في تصورهم لا تقبل التعايش السلمي ولا المساواة مع لغة أخرى، وهم بذلك يعلنون مقدار غربتهم عن المغرب، عاصمة الأمازيغية في العالم، وعن العصر الذي نحن فيه، ومقدار بعدهم عن روح السياق الحالي الذي طبعته الثورات وحراك الشارع بطابع فريد، يميزه السعي إلى الحسم لصالح الكرامة الإنسانية التي ينبغي أن تعلو فوق كل اعتبار ديني أو عرقي أو لغوي أو جنسي .

ويبدو أن هؤلاء لم يستفيدوا كثيرا من ثقافة العرب القديمة، رغم أنهم يبدون في مواقفهم تقليديين إلى أبعد حدّ، فمن أمثال العرب قولهم "جزاء سِنمار"، وهو شخص تمت مجازاته على جميله بالشر والإنتقام، وينطبق المثل على هؤلاء المنتسبين إلى العروبة الخالصة، فبعد قرون من الخدمات التي أسدتها الأمازيغية للعربية وللإسلام في شمال إفريقيا، يكون جزاؤها المطالبة بعدم إعطائها مكانة المساواة بالعربية، تكريسا للميز اللغوي في بلادنا ولاستمرار النزاع بين المغاربة، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن الشرط الضروري للتنمية هو الإستقرار والشعور بالكرامة.

تشير هذه الإشكاليات إلى مقدار الإنحراف والخطل اللذين يطّردان بهؤلاء التعريبيين، فهم يشتغلون بمعزل تام عن السياق الذي أعاد طرح الأمازيغية حاليا بقوة في ساحة النقاش العمومي من بوابة حركة شعبية نادت في الشارع العام وبوضوح منذ 20 فبراير بمطالب ديمقراطية كان منها التنصيص على الأمازيغية كلغة رسمية في الدستور بجانب العربية، ومن بوابة خطاب رسمي للملك أعلن فيه استجابة لحركة الشارع يوم 9 مارس عن ضرورة التنصيص على تعددية أبعاد الهوية المغربية "وفي صلبها الأمازيغية"، وهو ما استجابت له كل التنظيمات الحزبية والمدنية المغربية باقتراح الصيغ الكفيلة بدسترة حق من حقوق الإنسان المغربي في لغته الأمازيغية الأصلية، الأمر الذي من شأنه أن يلقي جانبا وبصفة نهائية بكل خرافات القوميين العرب وأساطيرهم العرقية، كل هذا يحدث والتعريبيون في "دار غفلون" لا يجدون بديلا عن سياسة النعامة، أن يضعوا رؤوسهم في الرمال لكي لا يبصروا العالم يتغير من حولهم.

ثمة عامل مشترك بين الحزب المذكور والجمعية التابعة له، وهو الحرص على التعامي عن السياق والواقع وإنكار ما هو موجود، والإصرار المعاند على العبث في أمور لم تعد تسمح بالعبث وإضاعة الوقت، فيقظة الرأي العام ووعي الناس بحقوقهم لم يعد شيئا يمكن الشكّ فيه أو الإلتفاف عليه. إنهم لم يفهموا بعد أن لا شرعية اليوم إلا شرعية الديمقراطية، التي هي تدبير التعدّد بشكل متوازن يجنب البلاد النزاعات التي سببها الإقصاء والإضطهاد والميز بكل أنواعه.

إننا معشر الأمازيغ نتمنى للعربية كل الخير لأننا قد خدمناها على مدى قرون بجانب لغتنا الأصلية، ولم نكن قط ضد لغة من اللغات، لكننا اليوم لا نرضى بديلا عن المساواة والكرامة، وعلى المنتسبين إلى العروبة أن يحترموا ـ وهو أضعف الإيمان ـ لغتنا الأصلية العريقة. وفي حالة ما إذا لم تتم الإستجابة إلى مطالبنا التي هي اليوم مطالب الشعب المغربي، فلن يكون لنا خيار إلا أن نبقى خارج النسق بمقاطعة الإستفتاء القادم، وعدم منح السياسات العمومية أية شرعية، والبقاء في الشارع إلى أن توضع الأسس الفعلية للبناء الديمقراطي السليم والشامل

An article from: www.hespress.com

No comments:

Post a Comment

libyans in ancient Egypt

libyans in ancient Egypt